الكاتب : د. أسامة أبوجامع
غزة – فلسطين
آل بيد شيطان وهمه إلي مَهلكة
إن اختلاط المفاهيم وتداخلها نتيجة للاحتلال
والضغط الذي يقع تحته شعبنا من حرب نفسية تمارس ضده والحصار والبطالة والفقر
الذي يدك أركانه وتحطم أحلامه وتنزع البسمة من شفاهه، كل ذلك كان مدعاة لترسيخ
مفهوم التعصب في أذهان الناس وأبعادهم عن القدرة على الحوار مما دعا لظهور حالة
جديدة في المجتمع أو ظاهرة عدم تقبل فكر الآخر وارتكاب الجريمة بحقه بقصد إنهائه
والكل يعلم أن هذا مفهوم خاطئ فحينما يريد شخص ما أن يثبت شي أو يقنع الآخر به
لابد امتلاكه لأمرين ، الأول : أن يكون واسع الصدر والأمر الثاني : أن يكون لديه
القدرة على الإقناع ، لعلها بعد أن وصلت الأنوف تم فهمها ،وهذا ما غاب عن المنطق
وافتقده المحاور في حينه، فعندما نتكلم عن المصالحة لابد أن يكون هناك مصالحة
اجتماعية أولًا ؛ لأنه مازل هناك من يحمل في نفسه بقع من السواد داكنة من الأسى ،
لذا يجب على أولي الرشد في مجتمعنا العمل على زرع قيم التسامح والتعاضد وشد الأزر
والتعالي والتسامي على الجراح فالأمر كثيرا أعبأ الكاهل وأرقد البعير من ثقل
الأحمال. ولا ألوم شعبنا في ذلك فما مر به من التعذيب والقتل والسجن السياسي
التعسفي والظلم بحق الخصوم من المعارضة وذلك لامتلاك القليل من القوة البسيطة التي
هي في ميزان العالم تساوي صفر جعلت ممتلكها يبطش باخواته وأحبابه ورفاق دربه
الميامين فيسعده أن يرى سنده القوي آل بيد شيطان وهمه إلي مَهلكة ولا يدري انه
يشمت الأعداء وهنا اذكر قول الله تعالى: {.... فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ
أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ
اللهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ
أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتي أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ
فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)} (سورة
المائدة). قد أسهب قليلا ولكن ما يكتب لا يعبر عن مأساوية حال مررت الأحوال .
وببعض من التفاؤل والأمل نقول لعل
الانقسام صفحة قتل كاتبها وطويت معالمها . وإن المحنة التي مررنا بها كانت
درس عظيما وقاسيا ؛ ولكنها لربما تكون التمهيد للمرحلة القادمة حيث سنكون قادرين
فيها على بناء دولة تستوعب الجميع بآرائه دون تحقيره أو الاستخفاف به ، أو إظهار
العضلات المفتولة له لإرعاب من لا يؤمن بالرأي المقدس عند حاملة "يمينيا كان
أو يساريا أو معتدلا" كل ذلك يسقط تحت قدم من كان ضحية لفترة لا أعادها الله
على شعبنا الحر الأبي . فهم كانوا جسرا لبناء الدولة المرتقبة والتي نطمح أن تقر
بالتعددية الحزبية وتقبل الرأي والرأي الآخر وتعمل على ترسيخ قيم الديمقراطية
وتداول السلطة وتشق طريقها بعد أن غاب مفهومها وسط نعيق المتكلمين والمنظرين
وبين ضجيج الطلقات وهياج بحر الظلام ، ولكن التشبث بها يفقد الآخرين حقهم الذي يكفله
القانون ويفقد منتزعها احترام الناس له وكذلك العالم لدولته التي أضعفها وأنهكها
سياسته ربما بغير قصد أو بقصد ،فحينها لا ينفع ندم النادمين فالمرحلة
المقبلة دقيقة ولا مجال لأي نسبة من الخطأ . ولا أعجب أن الثورات التي قامت بها
الشعوب العربية على حكام الوراثة والتسلط إلا لأنها شعرت بالتهميش والظلم وتغيب
الكفاءات عن صنع القرار ومصادرة الحق المشروع في التعبير ، فان أكثر الأمور
المقلقة أن تفرض الآراء مجرد لإثبات الذات دون مراعاة المصلحة العليا للوطن ، من
هذا المنطلق نقول ونكرر ونعيد ونزيد لقيادتنا، الشعب مرهق.، وكفى.، وكفي...؛
ليبدأ العمل على إضاءة تلك النافذة نحو
مستقبل أفضل للشباب الذي ضاع أمله وهدم طموحاته، بسبب ساسة الحكم وعلى أبواب فكرهم
الذي قد عف غياهب الزمان عليه ، فالشباب اليوم يبحث عن ذاته وعن كينونيته بعد أن
وصل اليأس مواصله والاحباطات المتتالية والخذلان المستمر والوعود التي لا تصدق،
فبادر لانتزاعها ولرسم معلم الغد والذي لن يتنازل عن حقه في حياة أفضل كباقي شعوب
الأرض معنونها بالكرامة والحرية وان يعيش في بلده عزيزا كريماً قادرا على التعبير
عن راية وعن توجهه وعن ميوله وانتمائه دون خوف أو تخفى خشية الآخرين.
Social Link