نقلاً عن: صفحة سماحة الشيخ الأستاذ الدكتور/ محمد بن سلمان بن حسين أبو جامع السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
" الحزبي لا دين له؛ لأنه مصدود عن الحق بحزبيته"
سئل سماحة الشيخ الأستاذ الدكتور/ محمد سلمان بن حسين أبو جامع سؤالاً يقول صاحبه :" هناك بعض الناس ممن ينتمون للأحزاب؛ يؤذونني لأني لا أنتمي لأي حزب , فهل أنا على صواب أم أنني مخطئ , وهل ما يقوم به أهل الحزبية من أخذ البيعة أو العهد من الأفراد في الموالاة لهم صحيح أم باطل؟.
وإجابة لسؤال السائل فهذه فتوى شرعية عن الحزبي صدرت عن سماحة الشيخ الأستاذ الدكتور/ محمد بن سلمان بن حسين أبو جامع إذ قال: الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:الجواب:
ربما يعجب البعض لهذه الفتوى مني بخصوص الحزبيين ولكن أهل العلم ممن سبقوني أشاروا إلى ذلك بوضوح , بل وأكثر من ذلك فأن من الواقع ما يدلل عليه.
فالحزبي معرض عن الحق وإن علمه , مستكبر على الناس؛ ظناً منه أنه على الحق المطلق وغيره على الباطل المطلق , وبذا يستحل كل شيء للمسلمين وغيرهم, وذلك هو الكفر بعينه . فالحزبي لا دين له؛ لأنه مصدود عن الحق بحزبيته؛ ولأنه اتخذ من الإرهاب سبيلاً للإفساد في الأرض؛ وبذا يستحل كل شيء للمسلمين ديناً وذاتاً ووطناً , وذلك هو عين الكفر , لأنه استحل ما حرم الله حيث قال تعالى :" إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ *"(المائدة:33).
وجاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا" وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، "بِحَسْبِ امْرِئٍ مِن الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ "أخرجه/ مالك وأحمد والبخاري ومسلم وأصحاب السنن والبيهقي.
ولأن الحزبي يتعصب لحزبه أكثر مما يتحزب للحق- الإسلام؛ كتاباً وسنة-؛ فهو لشيخه وزعيمه وفكره وجماعته , أكثر تعصباً منه لرسول الله صلى الله عليه وسلم , والدين؛ الذي جاء به من عند ربه جل وعلا , وجماعة المسلمين؛ وذلك هو الباطل بعينه , ومن فعل ذلك يكون في تعصبه قد غَلَّبَ الباطل لإيمانه المطلق به , وهذا يطعن في إيمانه الحقيقي وينقصه بل ويذهبه , قال عمر بن عبد العزيز:" إِذَا رَأَيْتَ قَوْمًا يَتَنَاجَوْنَ فِي دِينِهِمْ بِشَيْءٍ دُونَ الْعَامَّةِ , فَاعْلَمْ أَنَّهُمْ عَلَى تَأْسِيسِ ضَلالَةٍ "أخرجه/ أحمد وابن الجوزي.
قال ابن تيمية :" وإذا كان الرجل متبعاً لأبى حنيفة أو مالك أو الشافعي أو أحمد ورأى في بعض المسائل أن مذهب غيره أقوى فاتبعه؛ كان قد أحسن في ذلك ولم يقدح ذلك في دينه ولا عدالته بلا نزاع , بل هذا أولى بالحق؛ وأحب إلى الله ورسوله ممن يتعصب لواحد معين غير النبي , كمن يتعصب لمالك أو الشافعي أو أحمد أو أبى حنيفة , ويرى أن قول هذا المعين هو الصواب الذي ينبغي إتباعه دون قول الإمام الذي خالفه , فمن فعل هذا كان جاهلاً ضالاً , بل قد يكون كافراً , فإنه متى اعتقد أنه يجب على الناس إتباع واحد بعينه من هؤلاء الأئمة دون الإمام الآخر فإنه يجب أن يستتاب؛ فإن تاب وإلا قتل , بل غاية ما يقال أنه يسوغ أو ينبغي أو يجب على العامي أن يقلد واحد لا بعينه من غير تعيين زيد ولا عمرو , وأما أن يقول قائل : إنه يجب على العامة تقليد فلان أو فلان فهذا لا يقوله مسلم " إهـ.
وقال :" ومن تعصب لواحد بعينه؛ من الأئمة دون الباقين , فهو بمنزلة من تعصب لواحد بعينه من الصحابة دون الباقين , كالرافضي الذي يتعصب لعلي دون الخلفاء الثلاثة وجمهور الصحابة , وكالخارجي الذي يقدح في عثمان وعلي رضي الله عنهما , فهذه طرق أهل البدع والأهواء الذين ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أنهم مذمومون خارجون عن الشريعة والمنهاج الذي بعث الله به رسوله , فمن تعصب لواحد من الأئمة بعينه؛ ففيه شبه من هؤلاء سواء تعصب لمالك أو الشافعي أو أبى حنيفة أو أحمد أو غيرهم , ثم غاية المتعصب لواحد منهم أن يكون جاهلاً بقدره في العلم والدين وبقدر الآخرين فيكون جاهلاً ظالماً ، والله يأمر بالعلم والعدل وينهى عن الجهل والظلم قال تعالى :" وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا * لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ ... *" إلى آخر السورة- (المنافقون:74,73)- " إهـ.
وقال :" وليس لأحد أن ينصب للأمة شخصاً يدعو إلى طريقته ، ويوالي ويعادي عليها غير النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا ينصب لهم كلاماً يوالي عليه ويعادي غير كلام الله ورسوله وما اجتمعت عليه الأمة- (قلت): كأتباع الأحزاب اليوم الذين يأخذون كلام مشايخهم أو مرشديهم أو أئمتهم مسلمات يحفظونها ويرددونها؛ وكأنهم معصومون لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم ولا من خلفهم , فيبغضون ويحبون ويعادون ويوالون عليها- ، بل هذا من فعل أهل البدع الذين ينصبون لهم شخصاً أو كلاماً يفرقون به بين الأمة ، يوالون به على ذلك الكلام أو تلك النسبة ويعادون " إهـ.
وقال :" وليس لأحدٍ أن يتَّخِذ قول بعض العلماء- العلماء؛ وليس اشباه العلماء وأنصاف المتعلمين وجهلتهم- شعارًا يوجب اتِّباعه، وينهى عن غيره مما جاءت به السُّنة، بل كل ما جاءت به السنة فهو واسع "إهـ.
وقال أيضاً :" فلا يجوز لأحد أن يجعل الأصل في الدين لشخص إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم , ولا لقول إلا لكتاب الله عز وجل , ومن نصب شخصاً كائناً من كان فوالى وعادى على موافقته في القول والفعل فهو من :" إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا " الآية , وإذا تفقه الرجل وتأدب بطريقة قوم من المؤمنين؛ مثل اتباع الأئمة والمشايخ فليس له أن يجعل قدوته وأصحابه هم العيار فيوالي من وافقهم ويعادي من خالفهم "إهـ.
وبلاد الشَّرق، من أسباب تسليط الله التَّتر عليها- والأعداء اليوم-: كثرة التفرُّق والفِتَن؛ في المذاهب وغيرها، حتى تجد المنتسِبَ إلى الشافعيِّ يتعصَّب لمذهبه على مذهب أبي حنيفة، حتى يخرج عن الدِّين، والمنتسب إلى أبي حنيفة يتعصب لمذهبه على مذهب الشافعي وغيره حتى يخرج عن الدين، والمنتسب إلى أحمد يتعصب لمذهبه على مذهبِ هذا أو هذا، وفي المغرب تجد المنتسب إلى مالكٍ يتعصب لمذهبه على هذا أو هذا، وكلُّ هذا من التفرُّق والاختلاف الذي نهى الله ورسوله عنه.
وكل هؤلاء المتعصِّبين بالباطل، المتبعين الظنَّ وما تهوى الأنفس، المتبعين لأهوائهم بغير هُدًى من الله، مستحِقُّون للذمِّ والعقاب " إهـ.
وقد جاء أن عبدالعزيز بن عبدالله أبو القاسم الداركي الفقيه الشافعي كان إذا جاءته مسألة يستفتى فيها ، تفكر طويلاً ثم أفتى ، وربما كانت فتواه خلاف مذهب الشافعي وأبي حنيفة رضي الله عنهما ، فيقال له في ذلك- يراجع أيضاً كتاب "أدب المفتي والمستفتي" للعالم الفقيه المحدث؛ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺑ ﻋﺒ ﺍﻟرحمن ﺑ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺍﻟﺸﻬﺯﻭﻱ (المتوفى:643هـ)- ، فيقول:" ويحكم حدّث فلان عن فلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا، والأخذ بالحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى من الأخذ بقول الشافعي وأبي حنيفة رضي الله عنهما إذا خالفاه " إهـ. هذا في أبي حنيفة والشافعي وغيرهما من أئمة المذاهب وجهابذة العلم يرحمهم الله تعالى فما بالك في من قد لا يعلم معشار علمهم , وهذا في الفقه المبني على أصوله المقعدة فكيف بترهات الأقوال من الكلام والتنظير المبني على الهوى والإعجاب بِفِكَرٍ لا أصل له؛ إلا ما يراه أحدهم , فيصبح ذلك شعاراً أو ورداً للأتباع يرددونه صباح مساء , فاللهم إنا نبرأ إليك من كل حزب إلا حزبك على منهج سلف الأُمة كتاباً وسنة.
وجاء في حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها ، قالت:" إلا إن نبيكم قد برئ ممن فرق دينه واحتزب "أخرجه/ عبد بن حميد وابن منيع وأبو الشيخ والقرطبي والشاطبي عن القاضي إسماعيل وضعفه البوصيري وحسنه غيره.
قال الشيخ مصطفى وصفي عند قوله صلى الله عليه وسلم :" لاَ حِلْفَ فِي الإِسْلاَمِ "- أخرجه/ الدارمي والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن حبان وغيرهم- :" ومن أجل هذا العقد العام- أي عقد الإسلام والالتزام به ، أوامره ونواهيه- قرر الفقهاء أنه لا حلف في الإسلام ، وكفى بعقد الإسلام حلفاً ، فلضرورة المساواة بين المسلمين في هذا العقد العام لا يجوز أن يتحالف بعض المسلمين من دون بعضهم الآخر ، إذ إن ذلك يميز الحلفاء على سائر المسلمين ، ويجعل لهم حقوقا ليست لسائرهم ، هذا ولو لم يكن تحالف البعض نكاية في البعض الآخر , وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، فأقر ما تم من أحلاف الجاهلية ، كحلف المطيبين ، وقال: "لاَ حِلْفَ فِي الإِسْلاَمِ" أو لا تحالف في الإسلام وهو متفق عليه، وفي أكثر من مناسبة "إهـ.
وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ "أخرجه/ أحمد وأبو داود وابن حبان والنسائي والطبراني وابن أبي شيبة والشاشي والهروي وغيرهم.
قال محمد شمس الحق العظيم آبادي :" "لَيْسَ مِنَّا" : أَيْ لَيْسَ مِنْ أَهْل مِلَّتنَا "مَنْ دَعَا" : أَيْ النَّاس "إِلَى عَصَبِيَّة" : قَالَ الْمَنَاوِيُّ : أَيْ مَنْ يَدْعُو النَّاس إِلَى الِاجْتِمَاع عَلَى عَصَبِيَّة وَهِيَ مُعَاوَنَة الظَّالِم . وَقَالَ الْقَارِي : أَيْ إِلَى اِجْتِمَاع عَصَبِيَّة فِي مُعَاوَنَة ظَالِم . وَفِي الْحَدِيث :" مَا بَال دَعْوَى الْجَاهِلِيَّة " قَالَ صَاحِب النِّهَايَة : هُوَ قَوْلهمْ : يَا آلُ فُلَان ، كَانُوا يَدْعُونَ بَعْضهمْ بَعْضًا عَنْ الْأَمْر الْحَادِث "مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّة" : أَيْ عَلَى بَاطِل , وَلَيْسَ فِي بَعْض النُّسَخ لَفْظ (عَلَى).
"مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّة" : أَيْ عَلَى طَرِيقَتهمْ مِنْ حَمِيَّة الْجَاهِلِيَّة . قَالَ الْمُنْذِرِيُّ . قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَة اِبْن الْعَبْد هَذَا مُرْسَل , عَبْد اللَّه بْن أَبِي سُلَيْمَان لَمْ يَسْمَع مِنْ جُبَيْر . هَذَا آخِر كَلَامه . وَفِي إِسْنَاده مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن الْمَكِّيّ وَقِيلَ فِيهِ الْعَكِيّ . قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيُّ : هُوَ مَجْهُول , وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِم فِي صَحِيحه وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنه مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة بِمَعْنَاهُ أَتَمَّ مِنْهُ , وَمِنْ حَدِيث جُنْدُب بْن عَبْد اللَّه الْبَجَلِيّ مُخْتَصَرًا .
لكن الحديث معناه صحيح ، وَعَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَدْعُو عَصَبِيَّةً أَوْ يَنْصُرُ عَصَبِيَّةً فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ "أخرجه/ مسلم .
والحزبية هي الجاهلية المعاصرة بكل معانيها لأنها هي التي فتنت الأمة وفتتها وجعلتها شيعاً , بل هي السبب المباشر والرئيس في كل ما وقع بين الأمة مآسيٍ؛ من اراقة دماء , وإهدار مقدرات , وإذهاب كرامات , وإضاعة حريات , وبالجملة بتخريب الأوطان من جميع المناحي , وما تراه اليوم على أرض الواقع خير دليل؛ ففي البلد الواحد أكثر من عشرات الفصائل التي تظن أنها ممثلة للدين والأُمة والوطن دون غيرها , وذلك يعني أن البعض من بني الجلدة خرج من دائرة الإسلام بسعته الذي جمع الأمة وصهرها بكل أطيافها في بوتقته , إلى ضيق الجاهلية بمستنقعاتها وطحالبها وقاذوراتها؛ فغرق فيها , وأغرق من تبعه , ومن هنا فلا تصح تلك البيع ولا العهود لأولئك الحزبييم ومن يبايعهم أو يعاهدهم أن لا يكون إلا معهم فقد خلع ربقة الإسلام من عنقة وارتبق برقة الحزبية الضالة المضلة؛ حيث جاء عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، قَالَ : " قَالَ لِي مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : أَنْتَ عَلَى مِلَّةِ عَلِيٍّ ؟ قُلْتُ : وَلا عَلَى مِلَّةِ عُثْمَانَ ، أَنَا عَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أخرجه/ ابن تيمية.
ولما سئل الإمام السيوط عن رجل صوفي أخذ العهد على رجل ثم اختار الرجل شيخاً آخر , وأخذ عليه العهد فهل الأول لازم أم الثاني؟!.
فقال:" لا يلزمه العهد الأول ولا الثاني ولا أصل لذلك "إهـ. ذكره السيوطي في فتاويه. ولقد غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات مرة غضباً شديداً خوفاً على أُمته من الفتن ومآسيها لما تنادى نفر من الأنصار ونفر من المهاجرين كل يدعو جماعته لينصره , وذلك ما جاء به حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله رضي الله عنهما. قَالَ: كُنَّا فِي غَزَاةٍ، فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَار! فقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا لَلأَنصار! وَقَالَ المُهَاجِرِيِّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ! فَسَمِعَ ذَاكَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقَالَ: مَا بَالُ دَعْوَى جَاهِلِيَّةٍ؟ , قَالُوا: يَا رَسُولَ الله! كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنصَارِ. فَقَالَ: دَعُوهَا، فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ "أخرجه/ البخاري ومسلم؛ واللفظ لهما والترمذي وابن حبان والبيهقي وغيرهم. نعم والذي نفس محمد بيده:" دَعُوهَا، فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ "؛ وليس في عصرنا أنتن من الحزبية وأهلها.
ولنا أن نقول إنها نفس الجاهلية التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ من مناداة الحزبيين المعاصرين اليوم على أتباعهم- يا لجماعة فلان , يا لجماعة علتان- والثأر لجماعتهم الحزبية تلك , والحفاظ عليها أكثر من حفاظهم على الإسلام وجماعته, ورحم الله القائل:" الإسلام وسعنا والحزبية ضاقت بنا؛ إذ لا تتسع إلا لأتباعها"إهـ.
قال ابن تيمية :" وأما رأس الحزب فإنه رأس الطائفة التي تتحزب، أي تصير حزبا فإن كانوا مجتمعين على ما أمر الله به ورسوله من غير زيادة ولا نقصان فهم مؤمنون، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، وإن كانوا قد زادوا في ذلك ونقصوا مثل: التعصب لمن دخل في حزبهم بالحق والباطل، والإعراض عمن لم يدخل في حزبهم سواء كان على الحق أو الباطل فهذا من التفرق الذي ذمه الله تعالى ورسوله، فإن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أمرا بالجماعة والائتلاف ونهيا عن الفرقة والاختلاف، وأمرا بالتعاون على البر والتقوى ونهيا عن التعاون على الإثم والعدوان "إهـ.
فاللهم عليك بالحزبية وأهلها؛ الذين فرقوا الأمة شيعاً , فشوهوا معالم الدين , وصدوا عن شرعة المسلمين, أخرج/ الحكيم الترمذي وابن حاتم وأبو الشيخ والطبراني والبيهقي وابن بطه وأبو نعيم وغيرهم؛ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَائِشَةَ:" يَا عَائِشَةُ إِنَّ الَّذِينَ فَارَقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا : إِنَّهُمْ أَصْحَابُ الْبِدْعَةِ وَالْأَهْوَاءِ ، وَأَصْحَابُ الضَّلَالَةِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، يَا عَائِشَةُ إِنَّ لِكُلِّ صَاحِبِ ذَنْبٍ تَوْبَةً ، غَيْرَ أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ لَيْسَ لَهُمْ تَوْبَةٌ ، أَنَا مِنْهُمْ بَرِيءٌ ، وَهُمْ مِنِّي بُرَآءُ " , وبذا يعلم أنه لا يحرص على تحزيب الأمة وتشيعها إلا أهل البدع والأهواء , الذين يعد فعلهم هذا من الذنوب الكبيرة التي لا توبة منها ولا مغفرة لها , لأنهم خالفوا الله ورسوله الآمرين أصلاً باجتماع الأمة والناهيين عن تفرقها , فاستحقوا من الله تعالى ما تقدم , فالحمد لله أن عافانا مما ابتلى به الحزبيين , وآخر دعوانا أن الحمد لله على كل حال"إهـ.

هذا كلام سماحة شيخنا عن الحزبية وأهلها , وعليك أيها السائل أن تحمد الله تعالى على عافيته لك من بلواهم , فاللهم لا حزب إلا حزبك؛ أهل الكتاب والسنة السائرين على طريق السلف الصالح , فاجعلنا اللهم منهم آمين. والسلام.