استطاعت «إسرائيل» جراء حرب السويس العدوانية بالاشتراك مع فرنسا وبريطانيا أن تحقق حرية الملاحة لسفنها في خليج العقبة، وتوقفت العمليكاتبات الفدائية من قطاع غزة، وهكذا استغلت «إسرائيل» العمليات الفدائية لتدمير القوات المصرية واحتلال سيناء ونهب النفط والمياه والثروات وإقامة المستعمرات اليهودية فيها، ولكن العمل الفدائي ما لبث أن اندلع مجدداً في عام 1965 بعد تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح وبعض المنظمات الفدائية وتصاعدت مطامع «إسرائيل» وأخطارها على فلسطين والبلدان العربية الأخرى.
إذاً توقف العمل الفدائي فترة من الزمن على أثر حرب السويس العدوانية، ولكن ما لبث أن اندلع ثانية مع بداية عام 1965 وأخذ بالتصاعد، وكان سبباً من الأسباب المزعومة لحرب حزيران العدوانية عام 1967، لاستغلال هذه الذريعة لتحقيق المشروع الصهيوني وإقامة «إسرائيل» العظمى وفرض هيمنتها على المنطقة وكسر الإرادات العربية والهرولة بالتطبيع والاعتراف بالكيان الصهيوني.
ففي اليوم الأول من كانون الثاني عام 1965 صدر البلاغ الأول عن القيادة العامة لقوات العاصفة «الجناح العسكري لحركة فتح» وجاء فيه:
«تحركت أجنحة من قواتنا الضاربة ليلة الجمعة في 31/12/1964 وقامت بتنفيذ العمليات المطلوبة منها كاملة ضمن الأرض المحتلة، وغادرت جميعها إلى معسكراتها سالمة».
وأعلنت العاصفة بياناً سياسياً جاء فيه: «ومن وحي هذا الواقع السيئ، أي كون القضية في أدراج الأمم المتحدة كقضية لاجئين وكون العدو يستمر في إرساء قواعد وجوده، انطلقت العاصفة لتؤكد للعدو وللعالم أن هذا الشعب لم يمت وأن الثورة المسلحة هي طريق العودة والنصر…
إن هذه الانطلاقة ما هي إلا بداية لحرب تحريرية ذات منهج مخطط ومدروس… تحركنا من منطق فلسطيني مرتبط بتربة الوطن معتمدين على أمتنا العربية وكفاحها والقوى التحررية في العالم».
وعادت «إسرائيل» مجدداً واستغلت العمليات الفدائية وقامت بالعديد من الاعتداءات على القرى الأردنية في الضفة الغربية، وارتكبت العديد من المجازر، ودمرت قرية السموع، بحجة منع سكان القرى الأمامية من تقديم الدعم والمساعدة لرجال المقاومة، ما أدى إلى اندلاع المظاهرات العارمة في مدن الضفة الغربية مطالبة بتسليح القرى الأمامية دفاعاً عن أرض الوطن والمواطن في وجه الاعتداءات الإسرائيلية.
ووجهت المقاومة عملياتها بالدرجة الأولى إلى المرافق الحيوية في «إسرائيل» وإلى قواتها العسكرية، وكانت تركِّز عملياتها ضد منشآت تحويل مجرى نهر الأردن كالأنابيب والخزانات ومحطات ضخ المياه، وكذلك الجسور والسكك الحديدية والدوريات العسكرية ومراكز الشرطة والمنشآت الصناعية.
أدى فشل الأمم المتحدة في حمل «إسرائيل» على السماح للاجئين الذين طردتهم من وطنهم ورفضها تحمل المسؤولية السياسية والمادية عن مشكلتهم وإفلاس العمل السياسي وتصاعد الاعتداءات والأطماع الإسرائيلية إلى لجوء الشعب الفلسطيني إلى المقاومة المسلحة، وبالتالي نقل النضال والعمل الفلسطيني من مرحلة التجمد إلى تحريك القضية والوقوف أمام المخاطر والأطماع الإسرائيلية المتصاعدة في الأرض والمياه والثروات العربية.
بدأت العمليات الفدائية تعمل على زعزعة الأمن والاستقرار في “إسرائيل”، وإضعاف الاقتصاد والاستثمار الأجنبي في السياحة، وتخفيض عدد السياح والمهاجرين اليهود.
واعتقدت “إسرائيل” أن سياسة الردع والاعتداءات المتكررة داخل البلدان العربية ستجبرها على القيام بضرب العمل الفدائي.
وأقرت إسرائيل بأن غاية العمل الفدائي هو خلق الشخصية الفلسطينية، أي الكيانية الفلسطينية، كمرحلة أولى لإقامة حكومة في المنفى.
ونظرت «إسرائيل» إلى خطورة العمل الفدائي عليها لأنه يُبقي قضية اغتصابها للأرض والحقوق والمياه الفلسطينية حيةً، ويكسب الكيانية الفلسطينية اعتراف العالم بها، وينزل الخسائر البشرية والمادية، لذلك سخرت ما لديها من إمكانيات وطاقات وعلاقات لوأد العمل الفدائي في مهده.
أقامت المقاومة الفلسطينية العديد من القواعد ومعسكرات التدريب في سورية، وظهر بجلاء أن سورية فتحت الباب على مصراعيه للفصائل الفلسطينية، وقدمت لها الدعم والتأييد الكاملين العلني والسري، ما أزعج العدو الإسرائيلي من التأييد السوري الذي تلقاه المنظمات الفلسطينية.
وساهم تطور العمل الفدائي وتصاعده في خلق أجواء حرب التحرير الشعبية في البلدان العربية، وأدت عمليات المقاومة الفلسطينية إلى إجبار إسرائيل على إنفاق مبالغ كبيرة من الأموال لمواجهة النضال الفلسطيني، وزعزعة مكانة “إسرائيل” السياسية وتقليص الاستثمارات الأجنبية وفشلت “إسرائيل” في إخمادها أو الحد من تصاعدها، لذلك لجأت لممارسة الضغط والابتزاز على الدول العربية المجاورة لها وتحميلها مسؤولية العمل الفدائي، وزادت من شن الغارات الانتقامية عليها.
وأخذت تهدد هذه الدول بشن الحرب عليها، وتوجه لها الإنذار تلو الإنذار كي تقوم بملاحقة الفدائيين ومنعهم من القيام بعمليات ضدها، وذلك بتحويلهم وتحويل أجهزتهم الأمنية إلى شرطة للمحافظة على الأمن الإسرائيلي.
هدد الجنرال يغال الون نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي في 3 آذار 1966 وقال إن الدول العربية التي تدرب الفدائيين سوف تتحمل مسؤولية عملها، وأعلن الجنرال اسحق رابين رئيس الأركان في 2 آب 1966 إن لبنان والأردن لم يستخدما كافة الوسائل المتاحة لمنع الفدائيين من التوغل داخل «إسرائيل».
وفي 21 آب 1966 أعلن إشكول رئيس وزراء العدو أن دولته ستفسد العمليات الفدائية بالقوة العسكرية، وحمَّل الدول العربية مسؤولية نشاط الفدائيين.
وفي 15 تشرين الأول أعاد اشكول إنذاره لسورية، وقال بعد يومين (19/10/1966) أمام الكنيست إنه إذا لم تتراجع سورية عن موقفها الحالي تجاه إسرائيل فسوف تنشب الحرب، وبالفعل شنت إسرائيل عدوانها على قرية السموع الأردنية في 13/11/1966 ودمرت منازل القرية والجامع وقتلت العشرات من المدنيين.