الكاتب : د. أسامة أبوجامع
غزة – فلسطين

مناطحــة الأمــواج ومباطحة الأبجاج

تلقى الخطب على المنابر من متفوه متملك للكلام ، عليم اللسان , شديد البيان , ومحاضرات وندوات في الجامعات والصالونات , وقاعات الفنادق والاستراحات , عزز خطبها بفلسفة ومنطق ، ومنارات دعائية ومقاطع إعلانية على الشاشات الكبيرة والعملاقة فوق الفنادق والعمارات , في الشوارع والبلكونات , مختصر محتواها أو مفادها أن البركة في الشباب وأنهم العمود الفقري الذي لاغني عنه وأساس متين لبناء متين ، وقت التين وبعد التين , ويجب أن يقوى ويحافظ عليه , وان يسند بكل ناضج وعاقل ليكتمل قوامة ورشده ، فإذا ما أغلقت الأبواب وأظلمت الأنوار في الحجر السوداء حتى يتهادى إلي سمعك همسات خفافيش عميت أبصارها وبصيرتها ، احبسوهم ، حاصروهم ، لاتسمحوا لهم بالتفكير , فالأمر خطير , ومنطقهم ملتو لم نسمع به في الأولين أو الآخرين , أو أخرجوهم من قريتكم فإنهم أناس يتطهرون هذا قول أوسطهم ، فانظروا واقع الألم المرير , لم انثر كلماتي عبثا أو زخرفا من القول أو لمجرد ترف الفكر والكلام , فهذه غصة في قلوب شباب فلسطين في مقارعة الحياة ومناطحة الأمواج , ومباطحة الأبجاج , فعندما شعر أخو موسى هارون عليهما السلام منه الجور قال :" ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا براسي إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ... " .
لتتكاتف الأيدي والسواعد ليحرر الوطن وتقام دولة الفتيان – لا الفلتان- بقلوب صادقة مخلصة بعيدا عن صب الجهد وآراء الحصول على الأرزاق ولكي لا يكون لشياطين الجن والإنس فرجة بيننا ، ولتجتمع العصي حتى لا تكسر آحادا , هذا قول حكيم تعلمونه , وكما قال المثل : أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب ولكن !! ولكن !! ولكن !! أين من يسمع القول ؟؟؟!! أو يسترشد بحسن المقال أو الفعال , أيها العقال ؟!!! , فوا أسفاه ووا حسرتاه وووا وطناه ومن قبل ذلك كله وااا ديناه وووا أمتاه !!! إن الدول تسعى للارتقاء بشعوبها , وتبحث عن مصالحها وهذا من حقها وان تقتنص الفرص وتنقض على فريستها إن غفل الآخرون ، واكبر همها وتركيزها وهدفها لتحقيق تطلعاتها , ولا يكون ذلك إلا بالطاقة الخلاقة الكامنة في شبابها , وانتم تعلمون ذلك حيث التربص بهم ذات اليمين وذات الشمال ،لتجعل ضربتها في مقتل الأمة وعندها تسقط كل القلاع ويتهاوى كل بناء  ، وتوضع نقطة نهاية السطر بأيدي جاهلة من أبنائها ومن بعدها لا يستطيع ألف عاقل رفعها إلا بفواتير عظم ثمنها من كرامة الشعوب ودمائها ،،،، , إن شبابنا اليوم ضعيف منهك يدفع به دفعا للحصول على كبونة ذل ووصمة تعاسة ، بل ويعطى من الفضل بطالة كنس للشوارع بمكنسة فصلت من شهادة جامعية تلف بها قمامة الحاويات ، لتكتمل أجندة الإخناع ، ومن وراء القصد إذهاب الآمال والطموحات أدراج الرياح ، فيصبح من السهل تطويعه لحاكم ضعيف أو متآمر هذيل ، إذا ما أتت عاصفة المصالح الذاتية لتأخذه وتسحقه ، فرحماك اللهم !! رحماك , قبل فوات الأوان , وعليه فلابد من تسليط الأضواء على عصب أمة يكاد أن يتلف , فيتلف بتلفه البلاد والعباد لعدم إعداد خطط لمواجهة ذلك الضياع , بمصداقية الفعل لا بمهرجانات الكلام , ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاما لابد أن يكون وثيقة للحفاظ على الشباب : استوصوا بالشباب خيرا , وأولى الشباب بهذه الوصية شباب فلسطين الذين يعانون الأمرين , بل ويحملون جبالا بين أضلعهم من اليأس والإحباط والحرمان , وفي لحظة الحقيقة هذه والدقيقة , سأطوى مقالتي هذه وأستودعها سجل التاريخ , ليكون وثيقة أزلية في سفره الكبير , وأكون عليها من الشاهدين إذا اشتد الخطب وعز النصير, فقد بلغت ومشاعري ملتهبة بالأحزان ، وتساقطت الجدران وانكشفت النوافذ وفتحت الأبواب وبقي شبابنا نهبا للحيتان بين حر الصيف وبرد الشتاء في العراء ، تغتاله سماسرة الحياة من الدخلاء والجبناء , فأيقنوا القول واعقلوه ، وتحسسوا الجور وانهضوا بأبنائنا , فهم السياج وهم البناء ، ولذا كتبت الكتاب وحررته كابن لفلسطين ما عاش يوما إلا لوصول مداد قلمه إلى مرتجاها , فتعود المنازلة أعتى وأشد لمناطحة الأمواج ومباطحة الأبجاج لتحرير الأرض من كل الفجاج .