الكاتب : د. أسامة أبوجامع
غزة – فلسطين

الصمت أبلغ من الكلام

في فلسطين الصمت أبلغ ففي حدة الحد بين الجد واللعب, وكأن لسان حال الناس يقول ذلك، فلا احد ينطق أو يتكلم, فلغة الإشارة تكفي كل لبيب وعاقل، أما من تأخذه العزة بالإثم فلا، فالكل مر من هنا فاسأل شواهدها، ويبقى الصمت هو الأبلغ، عندما يفقد الإنسان ثقته بمن حوله، عندما يفقد الإنسان شعوره بالأمن، عندما يفقد الإنسان ابسط حاجاته، عندما يمر رمضان والمظالم تجأر إلى الله، عندما تمر الأيام ولا تجد إلا تعمق الحقد والكراهية بين الناس، عندما يهمش العلماء وتعلو رايات الجهلاء, وكأنها رايات حمر ترفع فوق غرف نوم المومسات, اللائي تلون سواد ليلهن بزرقة واحمرار وابيضاض في دكنة كجحيم جهنم من النار, من حولها تتقطع القلوب في غفلة واندهاش, ولا تجد مجالا للنجاة, والعالم من حولها سهران, يصل ليله بنهاره يصلي لعله يعثر على الصلحاء الأتقياء, من اجل مجد يطمح أن يكتب التاريخ انه ترك تركة لأجياله وفلذات أكباده الضعفاء, يعتز بها, حتى لو نام يوما وغط في نومه إلى آخرته سيكون أفضل من مر على ظهر البسيطة بلا استثناء, وانه أدي رسالته وأعمر الأرض التي خلق لعمارتها, وأعطاها حقها فأنبتت الزهر وملأ جنباتها بالرخاء, تقف الحروف وتتهته الكلمات وتتلعثم بين شفتي ولا ينطلق اللسان, من شدة الريب وتتشتت أفكاري وتضيع ذاكرتي ولربما كان أظنها من النسيان، لا أدري أهي من زعل، أم هي من ذعر, أم تتقطع أوصالها, وتفقد معانيها, فلا يكون اللقاء, يا قومي هاذي نصيحتي، فلم لا تفشون بينكم السلام، لا لن تنفعكم أموالكم ولا أولادكم ولا أرحامكم من الله شيئا, ألم تشدو بها في المساجد حناجر الخطباء، وضربت لكم الأمثال, وبكى من سمعها وأيقنها من شدة الأهوال، فالحجارة تتصدع وتتفجر منها العيون والأنهار، ولا تستكبر أن تخر لرب السماء, عندها تعلمون أن الصمت أيها الحكماء أبلغ من الكلام, فأين هم الرحماء ؟! .
فدعني أتم نصيحتي: لا تتكلم إلا بإذن, فقد تزعج من حولك ولو همست، لكن لا مانع من علو المسجلات بالطرب في الأفراح, لأنها تزين شوارع الكئباء، وترفع المعنويات, وتزيل الهم كالمخدرات لبعض لحظات، ولها تأثير السحر لبضعة أيام, ثم تنطلق الصرخات، لا عمل, ولا مأوى, ولا طعام, هذه عيشة التعساء, والكل يأمرك أن تنتهي عن عمل الموبقات, فأنت الضعيف وأنت من سيقام عليك الحد في الطرقات، هذا هو أمر ملكي أو سلطاني أو جمهوري صدر باسم الشعب اسكت, فأنت لا تملك أي شيء, ولا المصير ولا السلطان, ولا المشاركة في الحكم أو في صنع القرار، فبلادنا ملكية بامتياز, اسكت لا تتكلم فاصمت فالصمت ابلغ من الكلام، تم توارث الملك كابرا عن كابر, وأنت جئت من أعالي البحار, لا أنت في الأرض مقبول ولربما في السماء، فرزقك ليس مقسوما في هذه البلاد فارحل عنها, واتركها لملوكها وسلاطينها ورؤسائها, ودع مافيها للضياع وللضباع, لا وألف لا لن يرحل أحد, ولن يتركوا فلسطين, وسيبقى من يسمع جواب الناس بالصمود وبالصبر وبالرباط, وهم لا دخل لهم, ومن يفعل ليس كمن ينطق بالكلام, هذا حال لسانهم، بل ويتساءلون من سيبقى ومن سيصير إلى زوال، إن أمتي ذكية كيسة فطنة, لذا تفضل الصمت على الكلام, لأنها تعلم أنها هي الأقوى, وإن كثر من حولها اللئام, ومن تسول له نفسه الأوهام, ولا بد أن يزول الظلم, وينحسر الظلام, وينتشر النور, وتهوي راية الظلّام, فالأمم دائما باقية رغم كل إعصار وزلزال, ولو دام الملك لأحد ما وصل لغيره ولا قولَ عكسه, وبرهانه ربيع الثورات على أرض العروبة بما زعزع عروش الأكاسرة والأباطرة الطغاة، وكسر جدار الصمت, ونصر الحق, وقرب موعدنا للقاء, فاصمت فالصمت أبلغ من الكلام .