الكاتب : د. أسامة أبوجامع
غزة - فلسطين
رحـــــلة تأمــــل

ما بين المناكفات والتجاذبات السياسية والحزبية تغم عليك الطريق ،ولا تتضح لك الرؤيا ،ذلك أن الأمم التي تريد تقدم الركب وصنع المجد تصل ليلها بنهارها ولا تكتفي بالتقاط الأحجار الصغيرة وتريد أن تبني بها سروحاً شامخات ويعتبرون ذلك انجازا يحقق آمالهم وطموحاتهم ويرضي شواغر نفوسهم وليس ذلك من شأن العمالقة الذين تعودوا على المهمات الصعبة تزول الجبال ولا يزالون ويدحرجون الصخر العظيم ليبنوا أهرام حلمهم ،ولا يكتفون بالسفساف من الأمور ،وينظرون إلى عظيمها ممتثلين قول الشاعر:
من لا يحب صعـود الجبـال          يعش أبد الـدهر بين الحفـر
بل ليس هذا الأمر فقط فقد قال الشاعر في معرضاً آخر:
أن  الهوان  حمار الذل  يألفه          والحر  يأباه والفيـل والأسـد
ولا يبيت بدار الـذل  يألفـه          إلا الذليلان عبـد السوء والوتد
فذاك  لشـر مربوط برمتـه          وذا يشج  فـلا يرثي له أحـد
وأعجب أمر تأملي هذا أن يتقدم القوم بعير ضال لا يعرف ما فوق ظهره أوتر هو أم برذعة وذلك ما يقلقني ويقض مضجعي لأن التحوت علت على الوعول فضاعت القضية بين هذا وذاك فترى هذا يتشدق بفلسفة السياسة وذاك يتشدق بفلسفة الحزب والتنظيم وكلٌ يغني على ليلى وليلى لا يعجبها غناء هذا ولا ذاك أو كما قالوا ليلى لا تقر لهم بذاك بل يقول تعالى في محكم التنزيل "فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ" (المؤمنون :53)،حتى من يقول أنه مستقل تراه يحمل أحجارا صغيرة وهي عبئ على كاهله وفكراً ضيقاً لا يخرج عن تلك الدائرة وطمست الاستقلالية ومعالمها في ظل غياب المفاهيم واختلاطها وتداخلها .
فليقف أصحاب التأمل أمام تأملاتهم وليراجعوا أقلامهم وسطور كتاباتهم لأنها المأساة التي ما بعدها مأساة إن تجف الأقلام وتتطاير الصحف ولا يبقى مجال لأي فكر كان ماكان فليفرح الساسة وليغني الحزبيون والمتسلقون وليرثي الشعب نفسه وليندب حظه وليبكي على خطيئته التي أنجبتهم.