الكاتب السعودي : هاني نقشبندي
نعم.. لنتخلص منهم، فذاك ارحم بهم ولهم. ربما كانت
اسرائيل مصيبة الفلسطينيين الاولى والكبيرة، لكنها لم تكن الأخيرة ولا الأكبر. فقد
اصبح قدر كل فلسطيني، خاصة حامل الوثيقة، ان يكافأ على ما حل بأرض اجداده، بأن
يعيش فوق ارض عربية اخرى كطفح جلدي. منذ اكثر من ستين عاما تناسل خلالها جيلا وراء
جيل ما زال يعامل في كل وطن عربي كغريب أتى بالأمس الى المضارب.
انسان كامل فيه كل صفات البشر، مع هذا لا يمكن ان يصبح
جزءا من النسيج الاجتماعي لأي مجتمع عربي. ولا أحد يعرف لماذا؟ يقولون ان فلسطين يجب
ان لا تنسى وأن لا يموت حلم العودة ابدا.
حلفتكم بالله، من يعلم متى ستعود فلسطين، ثم من هو الذي
يحارب كي تعود؟
ابو مازن قال في مقابلة ان الجامعة العربية لم تقرر يوما
منع اي فلسطيني من الحصول على جنسية بلد عربي يعيش عليه. من قرر اذا؟ ان كان
القرار فرديا اتخذته كل دولة عربية على حدة، فالسؤال هو لماذا؟ والسؤال الأهم الى
متى؟
كلنا يعلم ان فلسطين لن تعود بغمضة عين. وان قدر ان تعود
فليس الآن ولا غدا او بعد غد. هل يعني هذا ان يبقى الفلسطيني، حامل الوثيقة، أسير
وطن عربي يحاسبه على كل تحرك وكأنه وافد الى هذا الوطن بالأمس فقط.
اصدرت مصر وثائق للفلسطينين، مع ذلك يمنع الفلسطيني من
دخول مصر قبل الحصول على تصاريح قد تستغرق عدة اشهر.
سوريا عملت الشيء ذاته. حتى الاردن الذي يفوق
الفلسطينيون فوق ترابه عدد الاردنيين، يحظر على حامل الوثيقة الدخول اليه بلا
تصاريح الله وحده يعلم كيف يمكن الحصول عليها.
في السعودية جالية فلسطينية لعلها الأكبر والأقدم ايضا.
تناسلت على مدى ثلاثة اجيال، بل وأربعة وخمسة. لا يعرف أي من ابنائها غير السعودية
وطنا، مع ذلك كلهم غريب، وعرضة للمغادرة والترحيل في اي وقت.
لماذا لا يتم توطين الفلسطينيين فوق تراب لا يعرفون سواه
وطنا؟
هل في ذلك خيانة للقضية الفلسطينية اكثر من تجاهلنا
للقضية نفسها؟
هل في توطينهم نسيان للوطن الأم؟
كثيرون من ابناء الدول العربية يحملون جنسية اوروبية أو
كندية أو امريكية، فهل نفى هذا وطنيتهم او انساهم وطنهم الاصلي؟
اذكر عندما كنت اعيش في لندن ان الفلسطينيين الذين
التقيت بهم، وكلهم يحمل جنسية بريطانية، كانوا اكثر ولاء لفلسطين من المقيمين في
فلسطين ولبريطانيا من البريطانيين انفسهم. ولائهم لفلسطين لأنها الرحم الأول،
وولائهم لبريطانيا لأنها الحاضنة التي احتوتهم كمواطنين فوق ارضها.
لا تنسيهم جنسيتهم البريطانية فلسطين، لا تنسيهم فلسطين
جنسيتهم البريطانية.
معظم الفلسطينيين في العالم يحملون درجات علمية مرموقة،
وعلى رأسهم اولئك الذين يعيشون في العالم العربي. لن تجد بينهم لصا او متسولا، ولم
تعد السياسة تشغلهم. حياتهم عمل، ويملكون المرونة للبراعة في أي منصب من الطب الى
ميكانيكا السيارات، فلماذا لا نستفيد من مهارتهم والأهم ان نستفيد من ولائهم لأرض
اعطوها ربما اكثر مما أعطاها ابنائها انفسهم؟
Social Link